أسرة وطفل: الفروق الفردية لدى أطفالنا
إعداد: مروة حسن -
لقد خلق الله تعالى الكون ونظمه ليكون كل شيء فيه مختلفا عن الأخر، ليكون عبرة وآية تدل على أنه سبحانه هو الخالق «إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ». ومن بين هذه العوالم المختلفة يأتي الإنسان باختلاف طبائعه وقدراته، (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ). وهذا الاختلاف هو في حد ذاته دعوة للتأمل وإمعان النظر، فلو تدبر الإنسان في ذلك لوجد الكثير من العظات والعبر، وعلى سبيل التخصيص، إذا الاختلاف في بني البشر عامة فيما بينهم، فإن الأطفال كذلك هم مختلفون بطبيعة الحال، كل طفل حسب ما قدر الله تعالى له من بسطة في الجسم، بين طول وارتفاع، وبين سمنة ونحافة، كل حسب ما قدر الله تعالى له وأراد، وما ينبغي أن يكون عليه الآباء والأمهات هو التسليم بهذا الأمر، مادام لا يشوب ذلك تقصير في حقوق الطفل، ولكن هناك من الآباء والأمهات من يدور في دائرة الفروق، ويسبح في محيط المقايسة حتى تأخذه دوامة لماذا ابني لم يكن كهذا الطفل؟ أو لماذا ابني قصير وهذا الطفل طويل؟.. إلخ، وهنا ينصح إمام جامع محمد الأمين محمود الشريف الآباء والأمهات بضرورة التسليم لأمر الله سبحانه وتعالى فهو الذي قسم لكل إنسان رزقه وحظه من الدنيا، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يَأخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ؟، أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟)، فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللهِ، (فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ: اتَّقِ الْمَحَارِمَ، تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وفي رواية: (كُنْ وَرِعًا، تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ) وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللهُ لَكَ، تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وفي رواية: (وَكُنْ قَنِعًا تَكُنْ أَشْكَرَ النَّاسِ) وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ، تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وفي رواية: (وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا) وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ».
ويقول الشريف: ما جعلني أتحدث عن هذه الفروق هو شهر رمضان المبارك، فهناك من الأطفال من زادهم الله تعالى من فضله في الصحة والعافية، فيكون ابن سبع وكأنه ابن عشر سنوات، ويكون ابن عشر سنوات وكأنه ابن أربع عشرة، وهناك العكس من هو في سن الرابعة عشرة وكأنه ابن تسع، ومن هو في سن العشر سنوات وكأنه ابن سبع أو ثمان، وذلك يظهر في الفرق بينه وبين أقرانه، من ناحية الطول والسمنة، وهناك يظهر الجانب الذي أقصده ألا وهو: هناك من الأطفال من هو دون العاشرة، وقد يكون في سن السبع سنوات، فيقدر أن يصوم رمضان مع أبويه وأسرته، ولا يؤثر ذلك على صحته بل بالعكس تجده نشيطًا طوال اليوم، إلا قليلاً في أواخر بعض الأيام شديدة الحرارة، ونجده يجد مثل ما يجد الجميع، من الإرهاق أو الجوع والعطش، ولكنه يستطيع أن يكمل صومه وأن يتمه، وتأخذ الفرحة بالأبوين، فيتحدثان عنه وعن قدرته على الصيام، فيقوم من هو يعيش في طيات الفروق الفردية التي أشار إليها آنفًا بالمقارنة والمقايسة، سائلاً نفسه: كيف يصوم ابن فلان وهو ابن سبع سنين ولا يستطيع ابني أن يصوم وهو ابن تسع سنوات، فتطير به الحماسة ولا تهبط به إلا على قاعدة لا بد أن تصوم كابن فلان، ثم يجبر الطفل على الصيام، فيصوم، وما أن ينتصف اليوم إلا وترى الطفل قد شحب وجهه، واصفر لونه، وضعف جسده، وخارت قواه، ويتعذب وهو لا يستحق ذلك، وما هذا إلا لأن الأبوين تناسيا أن الطفل الذي سمعا به أو رأياه أنه يصوم وأنه قادر على الصيام وأنه لم يفطر ولا يوما من أول رمضان، أنه وهبه الله تعالى من الصحة والعافية ما يستطيع بها المقدرة على الصيام، ولم يلفت نظرها طفلهما الذي هو أقل من ذلك الطفل الذي عقدا بينه وبين طفلهما مقارنة، لم تأخذهما الشفقة بطفلهما على أنه ضعيف ونحيل، خاصة وأنه دون سن التكليف، فيعذبانه بغير ذنب جناه، لا لشيء إلا لأن ابن فلان يصوم وهو في سنه أو أصغر منه سناً، ومن هنا يهيب الإمام محمود الشريف بالآباء والأمهات أن لا تأخذهما المقارنة والحماس لتعذيب ولدهما الضعيف. فيا أيها الآباء و يا أيتها الأمهات افطنوا إلى وليدكما إن كان يقدر على الصيام، بالتدريب المريح بصرف النظر عن ابن فلان أو ابن علان، فهناك فروق فردية يجب أن تراعى، بل لابد أن تدركا تمامًا الفروق الفردية بين الأطفال، انظرا إلى طفلكما من خلال قدراته هو لا من خلال قدرات غيره من الأطفال الآخرين. وإنما دين الله تعالى يسر وليس عسر، فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «أَتَى النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ وَمَعَهُ صَبِيٌّ، فَجَعَلَ يَضُمُّهُ إِلَيْهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: أَتَرْحَمُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَاللَّهُ أَرْحَمُ بِكَ مِنْكَ بِهِ، وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ».